صحيح أن معظم الدول العربية كما المجتمع الدولي بانتظار تبلور المسار الذي ستسلكه الحكومة الجديدة سواء بما يتعلق بعلاقاتها مع سوريا وايران أو بموضوع الاصلاح ومكافحة الفساد لتحدد بشكل نهائي مستوى وشكل العلاقات مع لبنان، الا أنها وبالرغم من ذلك، فهي تبدو مؤخرا مندفعة باتجاه اعادة تفعيل دورها لبنانيا في الوقت الضائع، عساها بذلك تُحرج الحكومة وتجعلها مضطرة لأن تحسب ألف حساب قبل اتخاذها اي قرار يجعلها أقرب الى المحور السوري–الايراني منها الى المحور الخليجي–الأميركي.
ولعل أبرز الخطوات المتخذة في هذا المجال، كان قرار المملكة العربية السعودية لجهة رفع الحظر عن سفر مواطنيها الى لبنان، فور الاعلان عن تشكيل الحكومة. فما كان قبل انجاز عمليّة التأليف والذي تجلى باحتجاب العدد الأكبر من الدول العربيّة عن المشاركة بالقمّة الاقتصاديّة التي انعقدت في بيروت لا ينسحب بأيّ شكل من الأشكال على طريقة التعاطي العربي والدولي ما بعد التشكيل، فقد ظهر ذلك، بحسب مصادر معنيّة، بالزيارات المتلاحقة لمسؤولين عرب ودوليين والتي سيليها عشرات الزيارات الأخرى لتأكيد الدعم المطلق للبنان طالما هو ملتزم بسياسة النأي بالنفس وبالاصلاحات التي نص عليها مؤتمر "سيدر".
ويُتوقّع، بحسب المعلومات، أن تترافق هذه الزيارات وهذا الحراك خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع السعي الى تعزيز الاستقرار النقدي، وعودة الاستثمارات الخليجية، التي أشار اليها وزير المال السعودي عبر توقيع مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع التي تفعّل انطلاقة الحكومة، على أن يتوج كل ذلك بموسم اصطياف واعد جدا مع تدفق آلاف السوّاح الخليجيين، ما سينعكس على كلّ القطاعات، خصوصاً القطاع العقاري الذي يشهد منذ سنوات ركودا غير مسبوق.
ويبدو واضحا أن هناك قرارا خليجيا واضحا بعدم اخلاء الساحة اللبنانية لايران وسوريا، وان كان شكل الحكومة وتسليم حزب الله وزارة الصحة والدفع الواضح باتجاه احياء العلاقات اللبنانية السورية، كلها عوامل لم تلقَ أيّ ترحيب في صفوف الدول المعارضة بشدة للمحور الايراني–السوري. وتشير المصادر الى ان "دول الخليج كما العديد من دول أوروبا وصلت الى قناعة واضحة بأنّ ممارسة سياسة الحَرَد ومقاطعة الحكومة اللبنانيّة سيعني تسليم لبنان لسنوات وسنوات الى طهران، لأنّ الفرقاء السياسيين بحينها سيجدون بابا وحيدا أمامهم لن يترددوا بطرقه، خاصة وأن ايران لم تتأخر عن محاولة استمالة الحكومة الجديدة اليها من خلال عشرات العروض التي تقدم بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف خلال زيارته الأخيرة الى بيروت".
واذا كان المحور الخليجي–الأميركي نجح بممارسة الضغوط اللازمة لحثّ الدولة اللبنانيّة على عدم التجاوب مع أيّ من العروضات الايرانية من خلال ايصاله رسائل واضحة للمعنيين بأن ذلك سيعني انسحاب العقوبات الاميركية على بيروت، فهو يجد نفسه غير قادر على التصدي للانفتاح على سوريا لاقتناعه بأنّ ورقة النازحين السوريين التي أنهكت لبنان ستجعله لا يفوّت فرصة أو آليّة لحلّ هذه الأزمة. وتشير المصادر الى ان "هذا المحور توصّل لنوع من القناعة أيضا بوجوب الرضوخ للأمر الواقع من دون أن يعني ذلك أنه لن يستكمل ضغوطه عبر حلفائه في الداخل لابقاء موضوع التواصل مع سوريا بحدوده الدنيا".
فالى متى ستنجح الحكومة الجديدة بتحقيق التوازن المطلوب بين ما الخطوط الحمراء للمحورين الايراني–السوري من جهة والخليجي–الأميركي من جهة أخرى؟ وهل ستكون قادرة على استثمار الصراع بينهما على الساحة اللبنانيّة لصالحها فتأخذ من الطرفين من دون أن تعطيهما أيّ تعهدات تؤدي لانحيازها لأي منهما؟.